ما هو علم الفِراسة؟
يُعرف علم الفِراسة (بكسر الفاء) بأنه “العلم الذي يعرف بواسطته أخلاق وطبائع البشر الباطنة من أحوالهم الظاهرة مثل أشكالهم وتناسق أعضائهم” ويمكن تعريفه أيضا بأنه “العلم الذي يستدل به على الطبع الباطن من الطبع الظاهر“. وباللغة الإنجليزية يسم علم الفِراسة بـ physiognomy وأصل هذه الكلمة عبارة عن كلمتين باللغة اليونانية تعنيان “الحكم على الطبيعة” أو “معرفة الطبيعة”، وتعني معرفة أخلاق وطبائع الإنسان من شكله الخارجي. ويعتبر علم الفِراسة من العلوم القديمة جدا التي اهتم بها الهنود القدماء والإغريق والصينيون والعرب، ولكنها لم تنتشر بصورة واسعة في الغرب إلا في القرنين التاسع عشر والعشرين حيث قام بعض العلماء في أوربا بدراستها والاهتمام بها،
الإغريق وعلم الفِراسة
لعل أشهر علماء الإغريق الذين درسوا علم الفِراسة هو أبوقراط (عاش في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد) حيث قام بدراسة الأمزجة (جمع مزاج) Temperaments، ويقصد بها الصفات الداخلية للإنسان التي تؤثر في سلوكه بدون وعي، وقد قام العلماء من بعده في بلاد الإغريق وغيرها باستكمال دراسة نظرية الأمزجة واستمرت دراستها والاعتماد عليها لقرون عديدة.
كان أبوقراط من أشهر أطباء الإغريق وافترض في نظرية الأمزجة أن الصحة والمرض يرتبطان بما سماه الأخلاط الأربعة التي في الجسم (وهي الدم والصفراء والبلغم والصفراء والسوداء)، وقد قسم الناس حسب غلبة بعض هذه الأخلاط على الأنواع الأخرى في دمهم إلى أربعة أنواع من الأمزجة هي:
وحسب هذه النظرية، يكون الإنسان سويا إذا اعتدلت عنده هذه الأخلاط الأربعة في جسمه فكانت موجودة في الجسم بنسب متقاربة من بعضها، ولم يجد العلماء في العصر الحديث صحة لهذه النظرية بعد أن درسوا كل عناصر الجسم وأخلاطه ولذلك فقد تم إهمالها من قبلهم، ليتم استبدالها بنظرية السمات الشخصية (يقصد بالسمات صفات السلوك البشري مثل كون الشخص اجتماعيا أو انطوائيا أو عدوانيا أو غير ذلك من صفات محددة معروفة للشخصية) التي لاقت انتشارا كبيرا في العصر الحديث.
علم الفِراسة عند العرب وفي الإسلام
عرف العرب علم الفِراسة قبل الإسلام بمدة طويلة، وقد سموها أيضا بـ “علم السيماء” أو “التوسم”، ويقصد به معرفة طبع الناس من علامات معينة توجد في وجوههم أو أجسامهم. وقد ورد ذكر الفِراسة في الحديث الشريف “اتقوا فِراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله”، وفي حديث “ما أسر أحد سريرة إلا كساه الله جلبابها، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر”. وهناك حديث آخر يؤكد وجودها وهو “إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم”. وأما في القرآن الكريم فقد ورد ذكرها في الآية “ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم، ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم” (30/محمد). حيث تشير الآية إلى المنافقين وتؤكد أن لهم ملامح أو علامات معينة يمكن معرفتهم بها.
علم الفِراسة في أوربا
ولعل أبرز العلماء الذين اهتموا بها هو الطبيب الإيطالي سيزار لامبروزو الذي أجرى دراسات طويلة على عدد كبير من المجرمين لمعرفة صفاتهم الجسدية ونشر نتائج أبحاثه في عام 1876 في كتابه المشهور “الإنسان المجرم”، ثم نشر كتابه الثاني في عام 1901 وعنوانه “الجريمة، أسبابها وعلاجها”، وبعدها نشر كتابا آخر عن نفس الموضوع في عام 1906 عن المرأة المجرمة والدعارة. أثارت نتائج أبحاثه الاهتمام بعلم الفراسة لمدة طويلة وتمت دراستها وانتقادها من قبل العديد من العلماء، وربما تم استخدام نتائجها للاستدلال على المشتبه بهم للتحقيق معهم، ولكن المحاكم طبعا لا يمكن أن تقبل إدانة شخص بجريمة ما لمجرد كون بعض أو كل الصفات التي ذكرها لامبروزو تنطبق عليه لأنه شكل الإنسان لا يمكن اعتباره دليلا قطعيا على أنه ارتكب جريمة ما.
علم الفِراسة في أمريكا
قام العديد من الباحثين الأمريكيين بدراسة علم الفِراسة وطوروه وغيروا اسمه ليصبح “بيرسونولوجي” Personology وتعني علم الشخصية، ونشأت في أمريكا دورات خاصة لتعلم تفسير تعابير الوجه الدقيقة Face subtle-expressions بل وحتى قراءة المشاعر أيضا. ومن أشهر الأمريكيين الذين كانوا من أوائل (وربما كان الأول) من عملوا على تطوير هذا العلم في الثلاثينات من القرن العشرين القاضي إدوارد فينسنت جونز الذي كان يهتم بملاحظة ودراسة سلوك وملامح وإيماءات وشخصيات المجرمين والأشخاص الذين كانوا يمثلون أمامه في المحكمة، وقد بلغ اهتمامه بهذا العلم إلى الحد الذي جعله يترك عمله كقاض ويتفرغ للدراسة والأبحاث في هذا العلم.
فوائد علم الفِراسة
لماذا اهتم القدماء والمعاصرون بعلم الفِراسة؟ لا شك أنهم أدركوا أن هناك حاجة بشرية شديدة لهذا العلم ولذلك قاموا بدراسته وتأليف المؤلفات العديدة عنه منذ قرون عديدة. ويُعتبر أرسطو، الفيلسوف الإغريقي الشهير، أو من ألف كتابا موثقا عن علم الفِراسة وهذا الكتاب يتألف من 6 فصول يشرح بها معاني ملامح وجه الإنسان وما يرتبط بها من صفات شخصية وخصائص نفسية تتعلق بطبيعة صاحبها وأخلاقه مثل لون العيون والصوت وطريقة المشي وشكل الأنف وطبعه. أما بالنسبة للعرب، فقد قام بعض علمائهم بتأليف بعض المؤلفات التي أظهرت نتائج دراستهم لهذا العلم مثل الرازي وابن رشد. والغاية الأساسية من علم الفِراسة تتجلى في أهميته في الكشف عن شخصية الإنسان وطبعه وأخلاقه وميوله ربما لمعرفة خصاله الجيدة أو الطيبة وصفاته الشريرة أو السيئة لمعرفة كيفية التعامل معه (يعني باختصار: للاستفادة من خيره ولاتقاء شره عموما). وهذه الغاية تدخل ضمن اختصاصات علم النفس الحديث الذي له تطبيقات في عدة مجالات منها التحقيق الجنائي والتربية العامة ومعالجة الأمراض النفسية وعلم أصول التدريس والتدريب وعلم النفس الإكلينيكي. أما بالنسبة لفوائد علم الفِراسة بالنسبة للأشخاص العاديين فمن المتوقع أن يصبح الشخص الذي يجيد علم الفِراسة أكثر نجاحا في العلاقات الاجتماعية والعائلية والعملية لأنه قادر على معرفة من يتعامل معهم وأفضل الطرق لإقامة علاقات ناجحة معهم لأنه قادر على فهم شخصياتهم طباعهم بسرعة.
طرق استخدام علم الفِراسة ومنهجه:
هناك عدة طرق يتم بها استخدام علم الفِراسة من قبل المختصين به هي:
تطبيقات علم الفِراسة
يمكننا أن ندرس بعض الأمثلة عن تطبيقات علم الفِراسة لكي نتعرف على آراء العلماء في هذا المجال:
فراسة أشكال الوجوه:
يمكننا ذكر أحد الأمثلة عن الدراسات المعاصرة لعلم الفِراسة من كتاب (احترف فن الفِراسة” للمؤلف إبراهيم الفقي، حيث وضح فيه أن هناك خمسة أشكال للوجوه هي:
الوجه المربع (الحديدي)
الوجه البيضاوي
الوجه المثلث
فراسة الأنف:
قسم بعض علماء الفِراسة القدماء الأنف إلى أنواع حسب شكله:
الأنف الروماني
هذه لمحة بسيطة عن علم الفِراسة وتعريفه وتطوره عبر العصور، وهي غير كافية لبيان كافة فروعه وتفاصيله ولكن لا غنى عن معرفتها لمن يهتمون بمعرفة المقصود بهذا العلم. يمكن للمهتمين به قراءة المزيد من الكتب عنه وتجريب فرضياته ونظرياته في حياتهم لكي يستفيدوا منها إذا كانت لديهم الفرصة للتعمق في هذا المجال أو إذا كان مجال اهتمامهم الأساسي أو عملهم أودراستهم تقع ضمن مجال علم النفس أو التربية أو التعامل مع الكثير من الأشخاص ضمن بيئة عملهم.
الكاتب: د. محمد ماهر الجراح
أبوظبي، 13/3/23