الكاتب: د. محمد ماهر الجراح
الوقت هو حياتنا وهي أغلى ما نملك، ورغم أننا نمتلكه لكننا نشعر في كثير من الأحيان أننا نفقده أو نضيعه ربما بسبب جهلنا بكيفية إدارته أو التحكم به أو لأننا نعجز عن إدارته واستغلاله بأفضل صورة لنسخره لتحقيق أهدافنا. هل استطاع الإنسان حقا اكتشاف أفضل الطرق لإدارة الوقت خلال الثورة العلمية الكبيرة التي انتشرت خلال العقود الماضية أم أنه لا يزال يحلم بذلك؟ كيف تعامل الباحثون والخبراء مع مفاهيم إدارة الوقت وكيف عرّفوها واستنتجوها ودرسوها؟ ما هي أهمية إدارة الوقت للمدراء والموظفين والطلاب؟ ما هي أهميتها في حياتنا اليومية بشكل عام وكيف يمكننا فهمها وتلخيصها؟ سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة ضمن هذه المقالة حتى نتعلم ما يفيدنا لتطوير قدراتنا ومهاراتنا الإدارية ثم نطبق ذلك في عملنا وحياتنا اليومية لنضمن الاستفادة من وقتنا واستغلاله بأفضل صورة لتحقيق أهدافنا المختلفة.
لقد قدم العديد من العلماء تعريفات مختلفة لإدارة الوقت ولعل أشهرها هو تعريف هلمر: “تحديد ووضع أولويات لأهدافنا بحيث نتمكن من تخصيص وقت أكبر للمهام الأكثر أهمية ووقت أقل للمهام الأقل أهمية”. وهذا التعريف يطرح المهمة الأولى لإدارة الوقت وهي تحديد أو ترتيب الأولويات بحيث نتمكن من معرفة المهام ذات الأولوية القصوى ووضعها في المرتبة الأولى وتخصيص الوقت الكافي لإنجازها أولا قبل البدء بتنفيذ المهام التي تليها في الأهمية. وأي خطأ في ترتيب الأولويات وتخصيص الوقت الكافي لها سيؤدي حتما إلى نتائج خاطئة وخسارة للوقت والجهد والموارد. وهنا تكمن المهمة الأولى من مهام إدارة الوقت وهي التخطيط الذي يسبق تنفيذ أي مهام ننوي القيام بها ولذلك فيجب تخصيص مدة كافية للقيام بالتخطيط لإدارة الوقت بشكل يومي أو أسبوعي أو شهري أو سنوي (حسب نوع المهام المطلوبة) وإلا فسيكون التنفيذ عشوائيا ويؤدي حتما إلى الفشل.
يهمنا طبعا أن نعرف فوائد تنظيم الوقت بشكل ناجح لكي نعلم مدى أهميتها بالنسبة لأي فرد أو إدارة ناجحة:
1- تقليل الأخطاء التي يمكن أن تقع خلال التنفيذ.
2- تخفيف ضغوط العمل بسبب التنظيم الناجح للوقت والمهام.
3- زيادة سرعة إنجاز المهام.
4- تحقيق نتائج أفضل.
5- تحسين نوعية العمل.
6- تحديد فترات الراحة خلال العمل.
7- إنجاز المهام ضمن المواعيد المحددة لها (قبل أو في الموعد النهائي المحدد لها).
8- ضمان عدم حدوث تأخير في الإنجاز.
هذه الفوائد العظيمة تتطلب منا أن نعرف قواعد إدارة الوقت بفاعلية حتى نحصل عليها، فما هي هذه القواعد؟
- القاعدة الأولى: إتقان عملية التخطيط لإدارة الوقت. وأحد تعريفات التخطيط التي قد تفيدنا في هذه العملية هي “تحديد الأهداف وتحويلها إلى خطوات مرحلية وإجرائية ووضع جدول زمني محدد لتنفيذها”.
- القاعدة الثانية: تحديد الأشياء التي تضيع الوقت والتخلص منها مثل المكالمات الهاتفية ومواقع التواصل الاجتماعي والثرثرة مع زملائك والكسل والتسويف.
- القاعدة الثالثة: استغلال الأوقات الهامشية مثل الأوقات التي تقضيها في المواصلات للقيام بما هو مفيد مثل تدوين الملاحظات والتخطيط للغد وقراءة الأخبار الهامة وإجراء المكالمات الهاتفية الضرورية.
- القاعدة الرابعة: امنح نفسك فرصة للراحة عند إنجاز بعض المهام المرحلية لكي تخفف الضغط عن نفسك ولا تشعر بالتعب والملل.
- القاعدة الخامسة: ترتيب أوراقك ومكتبك وملفاتك الخاصة (الرقمية والورقية) والحفاظ على هذا الترتيب لكي لا تضيع الكثير من الوقت في البحث عنها.
الخبراء في مجال إدارة الوقت يضمنون لك النجاح في عملك إذا قمت بتطبيق هذه القواعد بشكل جيد ولذلك فامنح نفسك الفرصة الكافية لتطبيقها والاستفادة منها باستمرار وسترى كيف سيتحسن مستوى أدائك وتحقق أهدافك بنجاح باستمرار.
لقد طرح الباحث ستيفن كوفي إحدى الطرق الهامة في تقسيم المهام إلى أربعة أنوع ومعرفتها ستؤدي حتما إلى تحديد الأولويات بدقة والاستغلال الأمثل للوقت:
1- مهام هامة وعاجلة: مثل إجراء مكالمة هاتفية ضرورية وإصلاح عطل طارئ في حاسوبك أو سيارتك.
2- مهام هامة وغير عاجلة: مثل التخطيط للمشاريع المستقبلية وأداء المهام التي خططت للقيام بها سابقا والأعمال اليومية الروتينية.
3- مهام غير هامة وعاجلة: مثل الرد على الهاتف والإجابة على أسئلة الآخرين.
4- مهام غير هامة وغير عاجلة: مثل وقراءة الصحف والإبحار عبر الانترنت والثرثرة مع الزملاء.
يهمنا في النهاية من هذا التقسيم أن نعرف أن علينا قضاء القسم الأكبر من وقتنا في النوع الثاني من المهام المذكورة أعلاه (المهام الهامة وغير العاجلة) لأنه بالأصل يجب أن نكون قد خططنا مسبقا لأداء هذه المهام فهي ستكون منظمة ضمن جدول أعمالنا ويجب أن نتمكن من القيام بها بشكل روتيني ومنظم وغير عاجل. ويذكر ستيفن كوفي أن الأشخاص الناجحون يقضون معظم أوقاتهم في أداء هذه المهام أما الفاشلون فغالبا ما يضيعون أوقاتهم في أداء أنواع المهام الثلاث الأخرى مما يجعلهم يفشلون في أداء النوع الثاني من المهام وهو ما كانوا قد خططوا له مسبقا ويجب عليهم أداؤه. من الطبيعي جدا في هذه الحالة أن تجد الفاشلين في عملهم يقضون معظم وقتهم في القيام بالمهمات العاجلة والضرورية لأنهم ينخدعون بكونها (عاجلة وهامة) ويتناسون المهام الهامة وغير العاجلة رغم أنها جزء من جدول أعمالهم الذي خططوا له مسبقا مما يؤدي لفشلهم في تحقيق الأهداف الرئيسية التي كانوا قد خططوا لها مسبقا.
أحد الأمثلة التي نعرفها جميعا في الفشل في إدارة الوقت هو ما يحصل لكثير من الطلاب أثناء السنة الدراسية حيث يفترض بهم أن يدرسوا مثلا كل يوم لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات في المنزل (مهام هامة وغير عاجلة) ولكن معظمهم لا يقوم بذلك ويضيع وقته في مشاهدة التلفاز واللعب. وقبل موعد الامتحان بعدة أيام يحاولون بكل جهدهم أن يدرسوا لمدة عشر ساعات يوميا لفهم واستيعاب المنهاج بكامله خلال بضعة أيام فقط لأنهم يشعرون أن الدراسة صارت (هامة وعاجلة) قبل الامتحان فقط. في هذه الحالة قد يرسب العديد منهم في الامتحانات لأنهم حاولوا أداء المهام المطلوبة منهم فقط عندما صارت (هامة وعاجلة) وفشلوا في أدائها بشكل منظم عندما كانت (هامة وغير عاجلة). ويمكننا أيضا ذكر مثال آخر عن الموظفين إذا نظرنا إلى حال محاسب يطلب منه مثلا إعداد جداول المحاسبة أو تدقيقها خلال أسبوعين أو ثلاثة قبل نهاية الشهر. يمكنه أن ينهي عمله إذا قام بتدقيق عشرين صفحة كل يوم (مهام هامة وغير عاجلة)، ولكنه إذا أهمل ذلك وانشغل بأنواع المهام الثلاث الأخرى فلن يمكنه القيام بذلك خلال الأسبوع الأخير من الشهر لأن الوقت لن يكفيه.
لقد ذكرنا أهم الدراسات والآراء والنظريات المتعلقة بإدارة الوقت التي توصل إليها العديد من الباحثين في هذا المجال، ولكي تستفيد منها يجب عليك أن تحاول تطبيق ما ذكرناه بشكل يومي حتى يصبح عادة لديك ونظاما لا يتغير لكي تضمن النجاح في أداء أعمالك واستغلال وقتك لأقصى درجة. ربما لن تشعر بقيمة الدقيقة الواحدة إذا ضيعتها خلال اليوم ولكن جرب أن تجلس يوما بعد أن تفشل في تحقيق أهدافك وأداء المهام المطلوبة منك وتفكر بعدد الدقائق التي ضيعتها بشكل يومي على أشياء لم تفدك مطلقا في تحقيق أهدافك وستعرف عندها أن تلك الدقيقة كان لها أهمية كبيرة لأنه كان من الضروري أن تستغلها في العمل بشكل فعلي ومنظم لتحقيق أهدافك. تعلم من أخطائك وحاول أن لا تكررها لكي تنمي مهاراتك في إدارة الوقت لأقصى درجة.
تعليق واحد
بارك الله فيك دكتور سلمت يداك